كنت طول عمري أشاهد قصص الحب في الأفلام.. وأرى البطل والبطلة حين تلتقي عيونهما في مكان ما فتحدث الشعلة والشرارة.. ودخلتالجامعة أبحث عن هذا البرق اللذيذ الذي يسري بين القلوب انطلاقًا من العيون.. أعرف تمامًا أني جميلة.. بل أتمتع بقدر كبير من الأنوثة والدلال، وأعتقد أنه لن تكون أمامي أي مشكلة في الحصول على ما أريد.
من أول يوم في الكلية وأنا أتفرس في وجوه زملائي.. ولم يجذبني أحد.. جلست أنتظر صديقتي على حرف إحدى السيارات الصغيرة... فإذا بي أسمع صوتًا فيه شقاوة من خلفي:
- ولو أنها مش قد المقام يعني...
التفت لأجد شابًّا وسيمًا هادئ الملامح رغم خفة ظله..
- آسفة قوي.
- آسفة على إيه.. خدي راحتك... ده أنا اللي آسف أن العربية أي كلام.
- يا خبر.. ليه بتقول كده.. لأ دي حلوة وبنت حلال.. زي زقزوقة بتاعة الأفلام.
- والله فكرة أسميها زقزوقة.. وأنت اسمك إيه بقى.
- نادية.
- سامح.. سنة أولى برضه؟؟؟
- أيوه وأنت؟؟؟
- شرحه.
- عمري ما شفتك قبل كده؟؟
- هو أنت فتشت على الطلبة واحد واحد؟؟ محدش قال لي كنت وقفت في أول الصف.
لم أتمالك نفسي من الضحك على تعليقاته.. لم تكن شرارة، ولكنها كانت أنا وهو.
مرت السنين ونحن معًا.. يوصلني بسيارته إلى البيت.. وأنتظره على باب المدرج.. لينتهي من محاضراته... نقلت كل السكاشن الممكنة معه. ليكون حضورنا وانصرافنا معًا... وكان اسمي البادئ بحرف النون نكتة الأساتذة في مجموعة سامية وسهير وسامح وسارة...
كنا لا نشاهد إلا معًا.. في سيارته.. في الكافتيريا.. في كل مكان.
- نصَّك الحلو فين يا سامح؟؟؟؟
- مجتش النهاردة تعبانة شوية.
وتمر السنون بأسرع مما نتخيل أو نشعر... هل كنت أحبه؟؟... بالتأكيد... أو ربما أحببت فكرة وجودي معه.. أو ربما كنت أريد مثل هذه العلاقة التي رأيتها في السينما والتلفزيون.. لم أعد أعرف.. ولا أريد أن أعرف.. أريد أن أنسى الفكرة كلها.. أريد أن أمسح من ذاكرة كل الناس صورتنا معًا.
في أحد الدروس وكنا معًا أيضًا... بدأ المدرس الجامعي الشاب يلاحقني بكلمات خفيفة لها معنى واحد أني أعجبه... كانت كلمات ومغازلات من رجل ناضج... يعرف كيف يثير كل حواسي ويداعب أنوثتي... ووجدتني فجأة أتضايق من وجود سامح معي في نفس الدرس.
وحاولت أن أنتقل إلى مجموعة أخرى مع نفس المدرس وتعللت بمواعيدي الأخرى...
- نادية.. ليه مبتحضريش درس دكتور مصطفى؟
- أبدًا يا سامح... أنا بحضره بس في يوم تاني.
- يوم تاني إزاي يعني؟؟؟ ما قلتليش.
- أبدًا.. ما جاش في بالي.
- ما جاش في بالك يعني إيه؟؟؟ هي دي حاجة الواحد مياخدش باله منها.
- إنت بتزعق كده ليه؟؟؟ بأي مناسبة يعني... نبرة صوتك مش عاجباني.
- الله!!!! فيه إيه يا نادية... إيه النغمة والطريقة الجديدة دي؟؟
- ولا نغمة ولا طريقة... عن إذنك عندي مشوار... سلام.
- حشوفك بكرة؟؟
كنت قد أغلقت السماعة... لم أشعر سوى برغبتي في أن يختفي هذا السامح من على صفحة حياتي.. لم أكن أريد أن تعكر تجربة طفولية قصتي مع الدكتور مصطفى.
- أنت مرتبطة يا نادية؟؟
- هه!!! قصد حضرتك مخطوبة يعني... لا أبدًا... خالص...
- وعاطفيًّا؟؟
- أبدًا... حضرتك أسئلتك غريبة شوية؟؟
- أصل قالوا لي أنك مرتبطة بواحد زميلك.
- أولاً دي إشاعة!!! ثانيًا حضرتك بتسأل ليه؟؟؟
- تتجوزيني؟؟؟
لست أدري كيف أجبته... ولا كيف تمالكت نفسي واحتفظت بجسدي منتصبًا ولم أهوَ على الأرض مترنحة.
- الخبر صحيح يا نادية؟؟
- أهلاً أهلاً... خبر إيه؟؟
- خطوبتك للدكتور مصطفى؟؟
- ياااه... هي الكلية دي مفيهاش حاجة بتستخبى... أيوه صحيح.
- وإنت عاوزة تخبي ليه؟؟؟
- أبدًا كنا حنعلن جوازنا مرة واحدة وخلاص.. أصل مصطفى تقريبًا فرش الشقة.. وفاضل حاجات بسيطة كده.. يعني
- وأنا؟؟
- عقبالك أنت كمان يا سامح.. ربنا يرزقك ببنت الحلال.. إنت إنسان هايل وتستاهل كل خير.
- بس كده.
- وأكتر.. أنا عمري ما هنسى زمالتنا الجميلة ودايمًا هحكي لمصطفى أنت قد إيه كنت بتساعدني وواخد بالك مني!!